فصل: 62- مسألة: الحكمة من إفراد النور وجمع الظلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.61- مسألة: في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}:

قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية.
وقال تعالى في براءة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وآيات القتال كثيرة.
جوابه من وجوه:
أحدها: لا إكراه قسرا من غير إقامة دليل، بل قد بين الله سبحانه الدلالة على توحيده، وبعث رسوله لمن ينظر فيه.
ويدل عليه قوله تعالى بعده: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} وهذا قول المعتزلة.
والثاني: أنه منسوخ بآيات السيف.
والثالث: أنه مخصوص بأهل الكتاب.

.62- مسألة: الحكمة من إفراد النور وجمع الظلمات:

قوله تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} الآية.
أفرد النور وجمع الظلمات، وذلك في مواضع؟
جوابه:
أن الكفر أنواع وملل مختلفة، ودين الحق واحد، فلذلك أفرده.

.63- مسألة: مضاعفة الأجر والثواب:

قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} الآية.
وقال في سورة الأنعام: {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
جوابه:
أن هذه خاصة في النفقة في سبيل الله.
وآية الأنعام: في مطلق الحسنات من الأعمال، وتطوع الأموال.

.64- مسألة: التعبير بقوله تعالى: {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} وفى سورة إبراهيم: {لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ}:

قوله تعالى: {لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}.
وفى سورة إبراهيم {لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ}.
جوابه:
أن المثل هنا للعامل، فكان تقديم نفى قدرته وصلتها أنسب، لأن على من صلة القدرة.
وآية إبراهيم عليه السلام: المثل للعمل، لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ} تقديره: مثل أعمال الذين كفروا، فكان تقديم {مما} تقديم نفى ما كسبوا أنسب لأنه صلة {شئ} وهو الكسب.

.65- مسألة: التعبير بقوله تعالى: {كفار أثيم} {مختالا فخورا} {خوانا أثيما} وما فيها من دلالات:

قوله تعالى في آية الربا {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}. وفى الآية الأولى من النساء: {مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. وكذلك في الحديد.
وفى الثانية:
{مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}.
ما فائدة العدول عن قوله: {يبغض} إلى قوله: {لا يحب} مع أنه لا يلزم من نفى المحبة: البغض؟
وما فائدة تخصيص كل آية بما ذكر فيها؟
جوابه:
أن البغض: صفة مكروهة للنفوس، فلم يحسن نسبته إلى الله تعالى لفظا. وأيضا: فلأن حال العبد مع الله تعالى إما طاعته أو عدمها.
فإذا انتفت محبته لنفى طاعته تعين ضدها، فعبر بما هو أحسن لفظا.
وأما كفار أثيم: فإنها نزلت في ثقيف وقريش لما أصروا على الربا، وعارضوا حكم الله تعالى بقولهم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} فهم كفار بالدين، آثمون بتعاطي الربا، والإصرار عليه.
وأما آية النساء الأولى: فجاءت بعد قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} وبعد قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}. والعبادة هي التذلل للمعبود والتواضع له، وكذلك الإحسان إلى الوالدين يقتضي التواضع لهما، وذلك ينافي الاختيال والعجب والتفاخر، ويؤيده قوله سبحانه: {وَبِذِي الْقُرْبَى} الآية.
وكذلك جاء في لقمان بعد قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} وفى الحديد بعد قوله تعالى: {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ}.
وأما آية النساء الثانية: فنزلت قي طعمة بن أبيرق لما سرق درع قتادة بن النعمان رضي الله عنه وحلف عليه، ورمى به اليهود، ثم ارتد ولحق بمكة، فناسب: {خوانا}.
وأيضا: فلتقدم قوله تعالى: {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ}.

.66- مسألة: العمل والكسب:

قوله تعالى: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ومثله في آل عمران.
وقال في النحل والزمر: {ما عملت}.
جوابه:
هو من باب التفنن في الألفاظ والفصاحة.
وأيضا: لما تقدم في الزمر لفظ الكسب في مواضع مثل {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عملوا}. فعدل إلي لفظ {عملوا} تركا للتكرار، ولم يتقدم ذلك في البقرة وآل عمران.
وأنه: إشارة إلى أن الأعمال كسب العبد خيرا- كان أو شرا.

.67- مسألة: التقديم والتأخير في قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} قدم المغفرة، وفى المائدة قدم: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}:

قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية؛ قَدَّم المغفرة. وفى المائدة: قدم: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}؟
جوابه:
أن آية البقرة وغيرها جاءت ترغيبا في المسارعة إلى طلب المغفرة، وإشارة إلى سعة مغفرته ورحمته.
وآية المائدة جاءت عقب ذكر السارق والسارقة، فناسب ذكر العذاب، لأنه لهم في الدنيا والآخرة. اهـ.
وقال العلامة مجد الدين الفيروزابادى:
{الم} تكررت في ستّ سور فهى من المتشابه لفظًا.
وذهب كثير من المفسِّرين في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إِلى أَنَّها هذه الحروف التي في أَوائل السُّور، فهى من المتشابه لفظًا ومعنًى والموجب لذكره أَوَّلَ البقرة هو بعينه الموجِب لذكره في أَوائل سائر السُّور.
وزاد في الأَعراف صادًا لما جاءَ بعده {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} ولهذا قال بعض المفسِّرين: المص: ألم نشرح لك صدرك.
وقيل: معناه: المصوِّر.
وزاد في الرعد راء لقوله بعده {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ}.
قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} وفى يس {وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ} بزيادة واو، لأَن ما في البقرة جملة هي خبر عن اسم إِنَّ، وما في يس جملة عُطِفت على جملةٍ.
قوله: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} ليس في القرآن غيره وتكرار العامل مع حرف العطف لا يكون إِلاَّ للتأكيد، وهذا حكاية كلام المنافقين وهم أَكَّدوا كلامهم، نَفْيًا للرِيبة، وإِبعادا للتُّهمة.
فكانوا في ذلك كما قيل:
كاد المُرِيب أَن يقول خذونى

فنفى الله عنهم الإِيمان بأَوكد الأَلفاظ، فقال: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين} ويكثر ذلك مع النفى.
وقد جاءَ في القرآن في موضعين: في النّساء {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ} وفى التوبة {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ}.
قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} ليس في القرآن غيره؛ لأَنَّ العبادة في الآية التوحيد، والتوحيد في أَول ما يلزم العبدَ من المعارف.
وكان هذا أَول خطاب خاطب اللهُ به الناس، ثم ذكر سائر المعارف، وبنى عليه العبادات فيما بعدها من السُور والآيات.
قوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} بزيادة {مِن} هنا، وفى غير هذه السورة بدون {من} لأَن {مِن} للتبعيض، وهذه السورة سَنَام القرآن، وأَوّله بعد الفاتحة، فحسُن دخول {مِن} فيها، ليعلم أَن التحدّى واقع على جميع سور القرآن، من أَوله إِلى آخره، وغيرُها من السور لو دخلها {من} لكان التحدى واقعًا على بعض السور دون بعض.
والهاء في {مثله} يعود إِى القرآن، وقيل: يعود إِلى محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، أَى فأْتوا بسورة من إِنسان مثلِه.
وقيل: إِلى الأَنداد، وليس بشيء.
وقيل: مثله التوراة، والهاءُ يعود إِلى القرآن، والمعنى: فأْتوا بسورة من التوراة التي هي مثل القرآن لتعلموا وفاقهما.
قوله: {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} ذكر هذه هاهنا جملة، ثم ذكر في سائر السور مفصَّلا، فقال في الأعراف: {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ السَّاجِدِينَ} وفى الحِجْر {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} وفى سبحان {إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} وفى الكهف {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} وفى طه {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} وفى ص {إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
قوله: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ} بالواو، وفى الأَعراف {فَكُلاَ} بالفاء.
اسكن في الآيتين ليس بأَمر بالسُّكون الذي ضده الحركة، وإِنما الذي في البقرة سكون بمعنى الإِقامة، فلم يصحّ إِلا بالواو؛ لأَن المعْنى: اجمعا بين الإِقامة فيها والأَكل من ثمارها، ولو كان الفاء مكان الواو لوجب تأْخير الأَكل إِلى الفراغ من الإِقامة، لأَن الفاء للتَّعقيب والترتيب، والذى في الأَعراف من السُّكنى التي معناها اتخاذ الموضع مسكنا؛ لأَنَّ الله تعالى أَخرج إِبليس من الجنة بقوله: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا}.
وخاطب آدم فقال: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} أَى اتَّخذاها لأَنفسكما مسكنًا، وكُلاَ من حيث شئتما، وكان الفاء أَولى، لأَن اتّخاذ المسكن لا يستدِعى زمانا ممتدّا، ولا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه، بل يقع الأَكلُ عقِيبه.
وزاد في البقرة {رَغَدَا} لما زاد في الخبر تعظيما: {وقلنا} بخلاف سورة الأَعراف، فإِن فيها قال.
وذهب الخطيب إِلى أَن ما في الأَعراف خطاب لهما قبل الدّخول، وما في البقرة بعده.
قوله: {اهْبِطُوْا} كرّر الأَمر بالهبوط لأَن الأَول {مِنَ الْجَنَّةِ} والثانى من السماءِ.
قوله: {فَمَنِ اتَّبَعَ}؛ وتبع واتَّبع بمعنى، وإِنما اختار في طه {اتَّبع} موافقة لقوله: {يَنَّبِعُونَ الدَّاعِى}.
قوله: {وَلاَ يَقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قدَّم الشَّفاعة في هذه الآية، وأَخَّر العَدْل، وقدَّم العدل في الآية الأُخرى من هذه السورة وأَخر الشفاعة.
وإنِما قدم الشفاعة قطعَا لطمع من زعم أَن آباءَهم تشفع لهم، وأَن الأَصنام شفعاؤُهم عند الله، وأَخرها في الآية الأُخرى لأَنَّ التقدير في الآيتين معًا لا يقبل منها شفاعة فتنفعها تلك الشفاعة؛ لأَنَّ النفع بعد القبول.
وقدَّم العدل في الآية الأُخرى ليكون لفظ القبول مقدَّما فيها.
قوله: {يُذَبِّحُونَ} بغير واو هنا على البدل من {يَسُوْمُوْنَكُمْ} ومثله في الأَعراف {يُقَتِّلُونَ} وفى إِبراهيم {وَيُذَبِّحُوْنَ} بالواو لأَن ما في هذه السورة والأَعراف من كلام الله تعالى، فلم يرد تعداد المِحَن عليهم، والَّذى في إِبراهيم من كلام موسى، فعدّد المِحَن عليهم، وكان مأْمورًا بذلك في قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}.
وقوله: {وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} هاهنا وفى الأعراف، وقال في آل عمران {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} لأَنَّ ما في السّورتين إِخبار عن قوم فَاتوا وانقرضوا وما في آل عمران حكاية حال.
قوله: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هذه الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ} بالفاء، وفى الأَعراف {وَكُلُوْا} بالواو؛ لأَن الدّخول سريع الانقضاء فيعقبه الأَكل، وفى الأَعراف {اسْكُنُوا} والمعنى: أَقيموا فيها، وذلك ممتدّ، فذكر بالواو، أَى اجمعوا بين السكنى والأَكل، وزاد في البقرة {رَغَدًا} لأَنه تعالى أَسنده إِلى ذاته بلفظ التعظيم، بخلاف الأَعراف؛ فإِنَّ فيه {وَإِذْ قِيْلَ} وقدّم {ادْخُلُوْا البَابَ سُجَّدًا} في هذه السّورة وأَخرها في الأَعراف لأَن السابق في هذه السورة {ادْخُلُوْا} فبيّن كيفيّة الدّخول، وفى هذه السّورة {خَطَايَاكُمْ} بالإِجماع وفى الأَعراف {خَطِيئَاتِكُمْ} لأَن خطايا صيغة الجمع الكثير، ومغفرتها أَليق في الآية بإِسناد الفعل إِلى نفسه سبحانه، وقال هنا {وَسَنَزِيْدُ} بواو، وفى الأَعراف {سنزيد} بغير واوٍ؛ لأَنَّ اتصالهما في هذه السّورة أَشدّ؛ لاتّفاق الَّلفظين، واختلفا في الأعراف؛ لأَنّ اللائِق به {سَنَزِيدُ} بحذف الواو؛ ليكون استئنافًا للكلام وفى هذه السورة {الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا} وفى الأَعراف {ظَلَمُوْا مِنْهُم} موافقة لقوله: {ومِنْ قَوْمِ مُوْسَى} ولقوله: {مِنْهُمُ الصَّالِحُوْنَ ومِنْهُم دُوْنَ ذَلِكَ}.
وفى هذه السّورة {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِين ظَلَمُوْا} وفى الأَعراف {فَأَرْسَلْنَا} لأَن لفظ الرّسول والرسالة كثرت في الأَعراف، فجاءَ ذلك على طِبق ما قبله، وليس كذلك في سورة البقرة.
قوله: {فَانْفَجَرَت} وفى الأَعراف {فَانْبَجَسَتْ} لأَن الانفجار انصباب الماء بكثرة، والانبجاس ظهورُ الماء.
وكان في هذه السورة {وَاشْرَبُوا} فذكر بلفظ بليغ؛ وفى الأَعراف {كُلُوا} وليس فيه {وَاشْرَبُوا} فلم يبالغ فيه.
قوله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} في هذه السّورة؛ وفى آل عمران {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ}؛ وفيها وفى النساءِ {وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} لأَن ما في البقرة إِشارة إِلى الحقّ الذي أَذِن الله أَن يُقتل النفسُ فيه وهو قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}؛ وكان الأَولى بالذكر؛ لأَنه من الله تعالى؛ وما في آل عمران والنساءِ نكرة أَى بغير حَقّ في معتقَدهم ودينهم؛ فكان بالتنكير أَولى.
وجمع {النَّبِيِّينَ} في البقرة جمع السّلامة لموافقة ما بعده من جمعَى السلامى وهو {الَّذِينَ} {وَالصَّابِئِينَ}.
وكذلك في آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ} {وَنَاصِرِين} و{مُعْرِضُون} بخلاف الأَنبياء في السّورتين.
قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ} وقال في الحج {وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} وقال في المائدة {وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} لأَنَّ النصَّارى مقدَّمون على الصَّابئين في الرُتْبة؛ لأَنهم أَهل الكتاب؛ فقدَّمهم في البقرة؛ والصَّابئون مقدَّمون على النصارى في الزمان؛ لأَنهم كانوا قبلهم فقدَّمهم في الحج، وراعى في المائدة المعنيين؛ فقدَّمهم في اللفظ، وأَخرهم في التقدير؛ لأَن تقديره: والصّابئون كذلك؛ قال الشاعر:
فمن كان أَمسى بالمدينة رَحْلُه ** فإِنى وقَيَّارٌ بها لغرِيب

أَراد: إِنى لغريب بها وقيَّارٌ كذلك.
فتأَمّل فيها وفى أَمثالها يظهر لك إِعجاز القرآن.
قوله: {أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} وفى ألِ عمران {أَيَّامًا مَّعْدُودَات} لأَنَّ الأَصل في الجمع إِذا كان واحده مذكَّرا أَن يُقتصَر في الوصف على التأنيث؛ نحو: سرر مرفوعة وأَكواب موضوعة.
وقد يأتى سُرُر مرفوعات على تقدير ثلاث سرر مرفوعة وتسع سرر مرفوعات؛ إِلا أَنه ليس بالأَصل.
فجاءَ في البقرة على الأَصل، وفى آل عمران على الفرع.
وقوله في {أَيَّامًا مَّعْدُودَات} أَى في ساعات أَيام معدودات.
وكذلك {فِي أَيَّامًا مَعْلُوْمَاتٍ}.
قوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ} وفى الجُمُعة {وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ} لأَن دعواهم في هذه السّورة بالغة قاطعة، وهى كون الجَنَّة لهم بصفة الخلوص، فبالغ في الردّ عليهم بلَنْ، وهو أَبلغ أَلفاظ النفى، ودعواهم في الجمعة قاصرة مترددة، وهى زعمهم أَنهم أَولياءُ الله، فاقتصر على لا.
قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وفى غيرها {لاَ يَعْقِلُوْنَ} {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَن هذه نزلت فيمَن نقض العهد من اليهود، ثم قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}؛ لأَن اليهود بين ناقض عهد، وجاحد حق، إِلا القليلَ، منهم عبدُ الله بن سَلاَم وأَصحابُه، ولم يأت هذان المعنيان معا في غير هذه السُّورة.
قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} وفيها أَيضًا {مِنْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فجعل مكان قوله: {الَّذى} ما وزاد من؛ لأَنَّ العلم في الآية الأُولى عِلْم بالكمال، وليس وراءَه علم؛ لأَنَّ معناه: بعد الذي جاءَك من العلم بالله، وصفاته، وبأَنّ الهدى هدى اللهِ، ومعناه: بأَنَّ دين الله الإِسلام؛ وأَنَّ الْقرآن كلام الله، وكان لفظ الذي أَليق به من لفظ ما لأَنه في التعريف أَبلغ؛ وفى الوصف أَقعد؛ لأَن الذي تعرِّفه صلتُه، فلا يُنكَّر قطٌّ، ويتقدَّمه أَسماء الإِشارة؛ نحو قوله: {أَمَّنْ هذا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} {أَمَّنْ هذا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} فيكتنف الذي بيانان: الإِشارةُ، والصلة، ويلزمُه الأَلِف واللاَّم، ويثنَّى ويُجمع.
وأَمَّا ما فليس له شيء من ذلك؛ لأَنه يتنكَّر مَرّة، ويتعرّف أُخرى، ولا يقع وصفًا لأَسماءِ الإِشارة، ولا يدخله الأَلِف واللام، ولا يثنَّى ولا يجمع.
وخُصَّ الثَّانى بما لأَنَّ المعنى: من بعد ما جاءَك من الْعلم بأَن قِبلة الله هي الكعبة، وذلك قليل من كثير من الْعلم.
وزيدت معه من التي لابتداءِ الْغاية؛ لأَن تقديره: من الوقت الذي جاءَك فيه الْعلم بالْقبلة؛ لأَن الْقبلة الأُولى نُسِخت بهذه الآية، وليس الأَوّل موقَّتًا بوقت.
وقال في سورة الرّعد: {بَعْدَ مَا جَاءَكَ} فعَبَّر بلفظ ما ولم يزد من لأَن الْعلم هاهنا هو الْحكم الْعربىّ أَى الْقرآن، وكان بعضًا من الأَوّل، ولم يزد فيه من لأَنه غير موقَّت.
وقريب من معنى الْقبلة ما في آل عمران {مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فلهذا جاءَ بلفظ ما وزيد فيه من.
قوله: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} هذه الآية والَّتى قبلها متكررتان.
وإِنما كُرِّرتا لأَن كل واحدة منهما صادفت معصية تقتضى تنبيهًا ووعظًا؛ لأَن كلّ واحدة منهما وقعت في غير وقت الأُخرى.
قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَدًا آمِنًا} وفى إِبراهيم {هذا الْبَلَدَ آمِنًا} لأَن {هذا} إِشارة إِى المذكور في قوله: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} قبل بناء الكعبة، وفى إِبراهيم إِشارة إلى البلد بعد البناء.
فيكون {بلدًا} في هذه السُّورة المفعول الثانى و{آمِنًا} صفة؛ والبلد في إِبراهيم المفعول الأَول و{آمنا} المفعول الثانى وقيل: لأنَّ النكرة إذا تكرَّرت صارت معرفة.
وقيل: تقديره في البقرة: هذا البلد {بلدا} آمنًا، فحذف اكتفاءً بالإِشارة، فتكون الآيتان سواء.
قوله: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} في هذه السُّورة وفى آل عمران {علينا} لأَنَّ إلى للانتهاء إِلى الشيء من أَىّ جهة كان، والكُتُب منتهِية إِلى الأَنبياء، وإِلى أُمّتهم جميعًا، والخطاب في هذه السُّورة للأُمَّة، لقوله تعالى: {قولوا} فلم يصحَّ إِلاَّ إلى؛ وعلى مختصّ بجانب الفَوْق، وهو مختصّ بالأَنبياء؛ لأَنَّ الكتب منزَّلة عليهم، لا شِركة للأُمة فيها.
وفى آل عمران {قل} وهو مختصّ بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم دون أَمَّته؛ فكان الذي يليق به على وزاد في هذه السُّورة {وما أُوتى} وحُذف من آل عمران لأَنَّ في آل عمران قد تقدَّم ذكر الأَنبياء حيث قال: {لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}.
قوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} كُرِّرت هذه الآية لأَن المراد بالأَول الأَنبياء، وبالثانى أَسلاف اليهود والنَّصارى.
قال القَفَّال: الأَول لإِثبات مِلَّة إِبراهيم لهم جميعًا؛ والثانى لنفى اليهوديَّة والنصرانية عنهم.
قوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} هذه الآية مكرَّرة ثلاث مرات.
قيل: إِنَّ الأَولى لنسخ القبلة والثانية للسبب، وهو قوله: {وَإِنَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ رَبِّكَ} والثالثة للعلَّة، وهو قوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}.
وقيل: الأُولى في مسجد المدينة، والثانية خارج المسجد، والثالثة خارج البلد.
وقيل في الآيات خروجان: خروج إِلى مكان تُرى فيه القبلة، وخروج إِلى مكان لا تُرى، أَى الحالتان فيه سواءَ.
وقيل: إِنما كُرر لأَن المراد بذلك الحالُ والزمان والمكان.
وفى الآية الأَولى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} وليس فيها {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} وفى الآية الثانية {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} وليس فيها {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} فجمع في الآية الثالثة بين قوله: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} وبين قوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} ليُعلم أَن النبي والمؤْمنين سواء.
قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} ليس في هذا السورة {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} وفى غيرها {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} لأَن قبله {مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ} فلو أَعاد أَلْبَس.
قوله: {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} خص العقل بالذكر؛ لأَنه به يُتوصَّل إِلى معرفة الآيات.
ومثله في الرعد والنحل والنور والروم.
قوله: {مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} في هذه السورة وفى المائدة ولقمان {ما وجدنا} لأَن أَلْفيت يتعدى إِلى مفعولين، تقول: أَلفيت زيدًا قائمًا، ووجدت يتعدى مرة إِلى مفعول واحد: وجدت الضالة؛ ومرة إِلى مفعولين: وجدت زيدًا قائمًا؛ فهو مشترك.
وكان الموضع الأَول باللفظ الأَخصّ أَولى؛ لأَن غيره إّذا وقع موقعه في الثانى والثالث عُلم أَنه بمعناه.
قوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا} وفى المائدة {لاَ يَعْلَمُوْنَ} لأَنَّ العِلم أَبلغ درجةً من العقل، ولهذا يوصف تعالى بالعلم، لا بالعقل؛ وكانت دعواهم في المائدة أبلغ؛ لقولهم: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا} فادَّعَوا النهاية بلفظ {حَسْبنا} فنفى ذلك بالعلم وهو النِّهاية، وقال في البقرة: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} ولم يكن النِّهايةَ، فنفى بما هو دون العلم؛ ليكون كلُّ دعوَى منفيّة بما يلائمها.
قوله: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} قدَّم {به} في هذه السورة، وأَخّرها في المائدة، والأَنعام، والنحل؛ لأَن تقديم الباءِ الأَصلُ؛ فإِنها تجرى مَجْرى الأَلِف والتشيديِ في التَّعدِّى، وكان كحرف من الفعل، وكان الموضع الأَول أَوْلى بما هو الأَصل؛ ليُعلم ما يقتضيه اللفظُ، ثم قدم فيما سواها ما هو المُسْتنكر، وهو الذبح لغير الله، وتقديمُ ما هو الغرض أَولى.
ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل، والحال على ذى الحال، والظرف على العامل فيه؛ إِذا كان أَكثر في الغرض في الإِخبار.
قوله: {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} بالفاءِ وفى السور الثلاث بغير فاء لأَنه لمّا قال في الموضع الأَوّل: {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} صريحًا كان النفى في غيره تضمينًا؛ لأَنّ قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} يدلّ على أَنه لا إِثم عليه.
قوله: {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وفى الأَنعام {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لأَن لفظ الرب تكرر في الأَنعام مرات ولأَن في الأَنعام قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ} الآية وفيها ذكر الحُبُوب والثمار وأَتبعها بذكر الحيوان من الضأْن والمَعْز والإِبل والبقر وبها تربية الأَجسام وكان ذكر الرب بها أَليق.
قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَائِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ} الآية هنا على هذا النسق، وفى آل عمران {أُولَائِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ} لأَنَّ المنْكَر في هذه السّورة أَكثر، فالتوعد فيها أَكثر: وإِن شئت قلت: زاد في آل عمران {وَلاَ يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ} في مقابلة {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ}.
قوله في آية الوصيَّة {إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ} خُصَّ السَّمع بالذكر لما في الآية من قوله: {بَعْدَ مَا سَمِعَهُ}؛ ليكون مطابقًا.
وقال في الآية الأُخرى بعدها {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لقوله: {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} فهو مطابق معنًى.
قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} قيد بقوله: {منكم} وكذلك: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ} ولم يقيَّد في قوله: {وَمَنْ كَانَ مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} اكتفى بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ}؛ لاتَّصاله {به}.
قوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}؛ وقال بعدها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوْهَا} لأَن حدود الأَول نَهْى، وهو قوله: {وَلاَ تُبَاشِرُوْهُنَّ} وما كان من الحدود نهيًا أَمر بترك المقاربة، والحدّ الثَّانى أَمْر وهو بيان عدد الطلاق، بخلاف ما كان عليه العرب: من المراجعة بعد الطلاق من غير عدد، وما كان أَمرًا أَمر بترك المجاوزة وهو الاعتداء.
قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} جميع ما في القرآن من السؤال وقع الجوابُ عنه بغير فاء إِلاَّ في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا} فَإِنَّه بالفاء؛ لأَن الأَجوبة في الجميع كانت بعد السّؤال؛ وفى طه قبل السّؤال؛ فكأَنه قيل: إِن سُئلْت عن الجبال فقل.
قوله: {وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ} في هذه السّورة، وفى الأَنفال {كُلَّهُ للهِ}؛ لأَن القتال في هذه السُّورة مع أَهل مكَّة، وفى الأَنفال مع جميع الكفار، فقيّده بقوله: {كلّه}.
قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} وفى آل عمران {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية وفى التوبة {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} الآية الأُولى للنبى والمؤمنين، والثانى للمؤمنين، والثالث للمجاهدين.
قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وفى آخر السّورة {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} ومثله في الأَنعام، لأَنّه لمَّا بيّن في الأوّل مفعول التفكّر وهو قوله: {في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} حذفه ممّا بعده للعمل.
وقيل في متعلقة بقوله: {يُبَيِّنُ الله}.
قوله: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} بفتح التاء والثّانى بضمّها، لأَن الأَول من نكحت والثانى مِن أنكحت، وهو يتعدّى إِلى مفعولين والمفعول الأَول في الآية المشركين والثانى محذوف وهو المؤمنات أَى لا تُنكحوا المشركين النسّاء المؤمنات حتى يؤمنوا.
قوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ} أَجمعوا على تخفيفه إِلاَّ شإذا.
وما في غير هذه السورة فرئ بالوجهين، لأَن قبله {فَأَمْسِكُوهُنَّ} وقَبْل ذلك فإمساك يقتضى ذلك التخفيف.
قوله: {ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ} وفى الطَّلاق {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ} الكاف في ذلك لمجرّد الخطاب، لا محلّ له من الإِعراب فجاز الاقتصار على التَّوحيد، وجاز إِجزاؤه على عدد المخاطبين.
ومثله {عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ}.
وقيل: حيث جاء مُوَحَّدا فالخطاب للنبىّ صلَّى الله عليه وسلم.
وخُصَّ بالتَّوحيد في هذه الآية لقوله: {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ} وجمع في الطَّلاق لمّا لم يكن بعدُ منكم.
قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال في الأُخرى {مِنْ مَعْرُوْفٍ}؛ لأَن تقدير الأَوَّل فيما فعلن في أَنفسهنّ بأَمر الله وهو المعروف والثانى فيما فعلن في أَنفسهنّ من فعل من أَفعالهنَّ معروف، أَى جاز فعله شرعًا.
وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم} ثمّ قال: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوْا} فكرّر تأْكيدًا.
وقيل ليس بتكرار؛ لأَن الأَوّل للجماعة، والثانى للمؤمنين.
وقيل: كَرّره تكذيبا لمن زعم أَنَّ ذلك لم يكن بمشيئة الله.
قوله: {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} بزيادة {من} موافقة لما بعدها؛ لأَن بعدها ثلاث آيات فيها مِن على التوالى؛ وهو قوله: {وَمَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَيْرٍ} ثلاث مرات.
قوله: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} يغفر مقدَّم هنا، وفى غيرها إِلا في المائدة؛ فإِنَّ فيها {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ويَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ} لأَنها نزلت في حقِّ السارق والسارقة، وعذابُهما يقع في الدنيا فقُدّم لفظ العذاب، وفى غيرها قدّم لفظ المغفرة رحمة منه سبحانَه، وترغيبًا للعباد في المسارعة إِلى موجِبات المغفرة، جَعلَنا منهم آمين. اهـ.